عندما أعلن د.على السلمى، نائب رئيس الوزراء السابق، عن وثيقة المبادئ
الأساسية للدستور، التى منح فيها المجلس العسكرى وضعا خاصا، يحميه من
الرقابة عليه، ماليا وإداريا، حتى من البرلمان «المنتخب»، قامت الدنيا ولم
تقعد، حتى راح السلمى كما راحت حكومة شرف، على خلفية أحداث «محمد محمود».
لكن رغم وفاة «وثيقة المبادئ» مع استقالة السلمى وحكومته، وانتهاء الحديث
عن كل ما تضمنته من مبادئ حول الحريات العامة والدولة المدنية، إلا
المادتين 9 و10 من الوثيقة، والخاصتين بمنح القوات المسلحة وقادتها وضعا
خاصا وحصانة، يجعلها دولة داخل الدولة، إلا أن هذا الوضع الخاص وجد من
يؤيده داخل البرلمان، ليصبح فى القريب ربما، المجلس التشريعى الوحيد فى
العالم، الذى لا يمكنه مساءلة من يديرون قواته المسلحة أين تنفقون أموال
الشعب؟
ربما يبرر المؤيدون لمنح القوات المسلحة وقادتها وضعا خاصا داخل الدولة،
موقفهم، بأن هناك أسرارا عسكرية تتعلق بالتسليح والأمن القومى لا يجوز
تداولها بشكل علني، حتى أمام مجلس الشعب «المنتخب»، خوفا من وصول هذه
المعلومات إلى دول أجنبية أو معادية، متجاهلين أن المصدر الرئيسى للتسليح
هو الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف العسكرى الأول لإسرائيل، بالإضافة
إلى منحة عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا.
وبينما يزداد الجدل حول سرية ميزانية القوات المسلحة، ومنحها امتيازات
خاصة، نشرت هيجر شيزاف، المحللة السياسية لصحيفة معاريف الإسرائيلية،
تقريرا حول ميزانية القوات المسلحة المصرية، التى ربما تكون «ممنوعة» من
التداول أمام نواب الشعب.
ذكرت شيزاف فى تقريرها أنه «رغم مرور عام كامل على الثورة، وإجراء
انتخابات برلمانية أثمرت عن برلمان جديد، إلا أن قطاعات عريضة داخل الشعب
المصرى غير راضية عن أداء المجلس العسكرى.
وأشارت المحللة الإسرائيلية إلى تداخل ميزانية القوات المسلحة مع
الاقتصاد المصري، حيث تؤكد التقديرات أن القوات المسلحة تمتلك من 25 إلى
40% من جملة الاقتصاد المصرى، ورغم ذلك، نجحت طوال الثلاثين عاما الماضية،
فى إخفاء كل المعلومات عن مصالحها داخل الاقتصاد المصري، وتتمثل فى عدد من
المشروعات الربحية، التى تدر أموالا طائلة، من ضمنها استثمارات فى سوق
العقارات وإدارة المطاعم وشركات النظافة والكافيتريات، ومحطات البنزين
وإنتاج الأغذية المعلبة، والصناعات البلاستيكية، ورغم سهولة معرفة تلك
المعلومات عبر شبكة الإنترنت، إلا أن الجيش هدد بمقاضاة كل من يقوم بكشف
تفاصيلها بشكل علنى».
وأوضحت شيزاف «أن هناك قطاعات كبرى فى ميزانية الجيش، ترتبط بشراء وإنتاج
الأسلحة والمعدات الأمنية، وهذه المعلومات قد تكون مكشوفة للشعب المصري،
نظرا لأن الولايات المتحدة هى الشريك الرئيسى لمصر، فى إنتاج وتجارة
السلاح، وهى ملزمة بالكشف عن تفاصيل هذه الصفقات».
ونقلت المحللة الإسرائيلية عن بول سوليفان، الخبير فى الشئون المصرية
والمحاضر فى جامعة جورج تاون الأمريكية، تقديرات بأن ميزانية الجيش المصرى
تتراوح بين 5 و7 مليارات دولار، منها 1.3 مليار دولار على الأقل، من أموال
المساعدات الأمريكية المقدمة إلى مصر، ومليار دولار أخرى مقدمة من
السعودية، و700 مليون دولار هى مساهمات من دول أخرى، كما ذكر الباحث
الأمريكى أن الجيش يدفع رواتب 350 ألف مجند فى الخدمة، بالإضافة إلى رواتب
المتقاعدين والعاملين فى مشروعاته التى يمتلكها فى أنحاء مصر.
ومن جهة أخرى، يشير تقرير «الموسوعة العبرية» إلى أن ميزانية الجيش
المصرى سنويا تصل إلى 5.85 مليار دولار، يتم صرفها على التسليح ورواتب
الجنود والضباط، والمعدات والتجهيزات المختلفة للجيش.
ورغم أن هناك قطاعات فى ميزانية الجيش معلنة بالكامل، إلا أن المحللة
الإسرائيلية تؤكد أن قطاعات أخرى يحافظ الجيش على سرية ميزانيتها بشكل
محكم، وهى لا تتعلق بشئون الأمن القومي، حسبما تقول شيزاف، وإنما تختص
بالأرباح الضخمة التى يحققها من المشروعات التى ليست لها علاقة بالامن
القومي، مثل عدد أكياس المكرونة أو زجاجات المياه التى أنتجتها القوات
المسلحة، بالإضافة إلى عدد المنازل التى قامت شركة «كوين سيرفس» للنظافة
بتنظيفها.
وتضيف شيزاف أن الدور البارز الذى يلعبه الجيش داخل الاقتصاد المصرى
الآن، يعود إلى اتفاقية السلام مع إسرائيل، لأن الاتفاقية تسببت فى
الاستغناء عن عدد كبير من ضباط الجيش، وإحالتهم إلى التقاعد، وبعد ضغوط من
كبار مسئولى الجيش، قررت الحكومة إنشاء هيئة اقتصادية تسمى «إدارة مشاريع
الخدمة الوطنية»، والتى أفرزت عددا كبيرا من المشروعات التى قام ضباط الجيش
المتقاعدون بإدارتها، كما تمتعت المؤسسات الاقتصادية التى أنشأها الجيش من
الإعفاء الضريبي، وعدم تقديم تقارير الذمة المالية إلى الحكومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق