الأحد، 26 فبراير 2012

هنا سيرقد مبارك ..

هنا سيرقد مبارك ..



أقام فى الجناح الرئاسى فى شرم الشيخ بقرار النائب العام وفى الجناح الرئاسى للمركز العالمى بتوصية من المحكمة
اضطر «مبارك» للتنحى عن الحكم فى 11 فبراير 2011 لكن صورته المعتادة كرئيس للبلاد ظلت عالقة فى أذهان المصريين.. مثلما ظلت معلقة على جدران قصر الرئاسة ومقر مجلس الوزراء وبعض المؤسسات الحكومية التى لم تسع لتطهير مقراتها، وحين حاول القائمون على إدارة شئون البلاد إقناعنا برحيله.. قرروا إزالة صوره من على الجدران، لكن أفعالاً أخرى كانت تزيد من قناعة المواطنين بأنه لايزال يحتفظ بصورته كرئيس للبلاد، إلى أن جاء يوم 3 أغسطس.. وظهر الرجل الذى جلس على عرش السلطة ثلاثين عاما وهو ممدد على سرير المرض.. خلف القضبان.. داخل قاعة محكمة، تفاصيل المشهد كانت تنذر على الأقل بأن الصورة تغيرت، أن «مبارك» الذى شاهده الملايين على شاشة التليفزيون لن يسبق اسمه لقب «الرئيس»، لن يخرج عليهم من يتغنى بإنجازاته، ويمتدح بطولته، لن يحيطه موكب المنافقين، لم يبق لديه ما يحتمى به سوى سيرته المرضية.

الحالة الصحية للرئيس أصبحت هى الحل لإنقاذه من حبل المشنقة، بعد أن كانت «خطًا أحمر»، تهمة جاهزة لتصفية الحسابات، جسد «مبارك» كان محرما على الصحافة الاقتراب منه.. ولو من باب «التحسيس»، لكنه اختار الآن أن يتخلى عن حرمة هذا الجسد بعدما فقد اللقب الذى يحصنه، دفع محاميه ليقدم العديد من الملفات المرضية.. علها تشفع عند قاضيه، تقارير تحمل دليل إدانة لأن نظامه حاكم الصحفيين على نشر بعض ما فيها باعتبارها أخبارًا كاذبة.

الآن فقط يفتح الرئيس المخلوع وبإرادته ملف رحلته مع المرض، رحلة أعلنت عن نفسها عام 2003 لحظة افتتاح «مبارك» للدورة البرلمانية.. وقتها شاهد من يجلسون أمام شاشة التليفزيون رئيس الدولة وهو يترنح، لكن رموز نظامه أبعدوا الكاميرات.. حتى لا يشعر المصريون بقرب لحظة سقوطه، وكشفت هذه الواقعة عن إصابته بمرض السكر، بعدها بعامين تزايدت حلقات ورحلات السفر العلاجية إلى ألمانيا، وفى عام 2004 أجرى جراحة فى العمود الفقرى هناك، وفى سبتمر عام 2007 أجرى زيارة سريعة وغامضة لطبيب ألمانى حضر إلى القاهرة لمدة يومين، وقيل وقتها إن الطبيب جاء لزيارة مستشفى الجلاء، وأن الرئيس انتهز فرصة وجوده ليستشيره فى بعض الأمور العلاجية، المدهش أن هذه الزيارة كانت سببا فى توقع البعض نقل الرئيس المخلوع إلى ذات المستشفى أو مستشفى القبة العسكرى بعد تظاهر سكان شرم الشيخ أمام المستشفى الذى أقام فيه مع بدء التحقيق معه، واضطر وقتها محافظ جنوب سيناء اللواء فاروق شوشة لنفى ذلك.

فى عام 2010 كانت الرحلة العلاجية الأهم للرئيس المخلوع فى ألمانيا، والتى سبقها دخوله المركز الطبى العالمى وأجريت له جراحة وضعت خلالها دعامتان لتوسعة القناة المرارية التى تعرضت للانسداد.. ثم أجريت له تحاليل كاملة وأخذت عينة من البنكرياس جرى تحليلها فى الخارج ولم يعرف أحد نتائجها.

وفى الوقت ذاته زار المركز الطبيب الألمانى بوشلر وفريق من مساعديه بحجة توثيق التعاون بين المركز ومركز هايدلبرج، وخلال جولته بالمكان دخل الجناح الرئاسى وبعدها التقى بالدكتور محمد الديب الطبيب المشرف على علاج مبارك.

فى اليوم التالى سافر الرئيس المخلوع إلى ألمانيا وأجرى الجراحة الأخيرة.. وقضى الأيام الثلاثة الأولى بعد خروجه من غرفة العمليات فى حالة غيبوبة جعلت عائلته تعتقد أنه لن يعود معها إلى القاهرة.

فى المقابل أعلن وقتها البروفيسور ماركس بوشلر الذى يرأس الفريق الطبى فى مستشفى هايدلبرج التعليمى فى بيان طبى خضوع مبارك لجراحة استئصال المرارة وزائدة لحمية فى الاثنى عشر وقد قال بيان للمستشفى إن نسيجا حميدا أزيل خلال جراحة أجريت للرئيس المخلوع، وقال الدكتور ماركوس بوشلر فى مستشفى جامعة هايدلبرغ، إن التقرير النهائى لتحليل الأنسجة التى تمت إزالتها أثناء الجراحة التى أجريت أكد على طبيعتها الحميدة. وأضاف أن مرحلة استشفاء المريض خلال الأيام القادمة ستشمل زيادة الحركة لسرعة التخلص من آثار التدخل الجراحى. ثم أضاف فى بيان آخر وصف أورام الاثنى عشر بأنها من أخطر الأورام فى حال كونها من النوع الخبيث، وتحتاج إلى إمكانات طبية متقدمة لإزالتها والتعامل بعد ذلك مع المريض، أما فى حال كونها من النوع الحميد فإن المريض يخضع بعد إزالتها لفحص دورى بالأشعة المقطعية، والمسح الذرى، كما يتم علاجه بأنواع مخففة من العلاج الكيماوى كعلاج وقائى تحفظى لمدة عدة أسابيع.. وهو ما خضع له «مبارك» وقتها حسب تصريحات الطبيب، وبقدرة قادر تحول الورم الحميد إلى خبيث، والحالة المستقرة أصبحت حرجة.. فى تقرير منسوب للطبيب ذاته قدمه محامى الرئيس المخلوع لمساعد النائب العام ليبرر الإصرار على بقاء موكله فى المستشفيات التى يراها طبيبه الخاص مناسبة، بل وطلب أن يكون الطبيب الألمانى هو وحده صاحب الحق فى تقييم درجة الرعاية التى يحتاجها مريضه والأجهزة التى يجب توافرها فى مقر إقامته، وهو ما يعنى أنه لن يقبل بأقل من جناح رئاسى.

عاد «مبارك» من المستشفى الألمانى إلى قصر الرئاسة.. وظل به حتى شاهد المصريين وهم يهتفون بسقوطه، عاد ليركب الطائرة مرة أخرى ويهبط فى منتجع سياحى بشرم الشيخ قبل أن يصدر قرارا باحتجازه فى المستشفى مرة أخرى، ولكن ليس بأمر طبيبه الألمانى.. بل بأمر النائب العام الذى انتدب قضاة للتحقيق معه فى مستشفى شرم الشيخ الدولى فى قضايا الفساد والتربح وقتل المتظاهرين، وإن كان الفارق بين المستشفى الألمانى والمصرى ليس كبيرًا، وكلاهما أقرب إلى منتجعات الاستشفاء التى يقيم فيها الأثرياء. لكن «مبارك» غادر المستشفى مرة أخرى بأمر المحكمة هذه المرة والتى طلبت إيداعه فى مستشفى بالقاهرة لتسهيل عملية نقله للجلسات، وفى المقابل جاء هذا القرار بعد أن نجح أحد الأطباء فى التقاط صور وفيديوهات ترصد واحدة من فصول رحلة الرئيس المخلوع العلاجية، وهو ما عكر صفو الرجل الذى لم يعتد أن يقتحم حياته بشكل جعله يشعر بقيمة ما فقده من سلطة ونفوذ، وقبل أن يغادر الجناح الرئاسى فى المستشفى كانت كل الأجواء تنبئ بنقله إلى المركز الطبى العالمى الذى يعرفه جيدا وسبق له الإقامة فى جناحه الرئاسى أيضا.

ومن جناح رئاسة شيد لأجله فى شرم الشيخ إلى جناح رئاسى لا يقل فخامة جات إقامة الرئيس المخلوع فى مخدعه الجديد، والمدهش أن التحاليل الطبية التى أجراها الأطباء المعالجون هناك تؤكد أنه يتمتع بصحة رجل فى الخمسين وليس فوق الثمانين.

ليس من الصعب الآن أن تطالع الملف الطبى لمبارك.. لكن من الصعب أن تتوقع المكان الذى قد ينتقل إليه صاحب هذا الملف إذا ما صدر قرار بمغادرته للمركز الطبى العالم، فمستشفى ليمان طرة.. هو مجرد احتمال، لا يشفع لتحقيقه تقرير من لجنة تقصى الحقائق التى شكلها البرلمان برئاسة القيادى الإخوانى الدكتور أكرم الشاعر، تقرير اللجنة أوصى بنقله إلى حيث يجب أن يقيم، فى مستشفى السجن الذى لم يحظ باستقبال شخص بهذا القدر، ما أوصى به التقرير يبقى مجرد احتمال، لأن «مبارك» حسبما يتردد أوصى بشىء آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق